إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
الآداب والأخلاق الشرعية
17394 مشاهدة
الأدب السابع حُسن الظن

إن الواجب على المسلم أن يحسن الظن بأخيه المسلم، وكيف ذلك؟ إذا كنت تعرف سلامة عقيدة أخيك، وسلامة فطرته، ومنشأه ومجتمعه الذي نشأ فيه، وعرفته من خلال دروسه ومؤلفاته، أو مشايخه وماذا قرأ عليهم، وهكذا عرفت خطبه ونصائحه وغير ذلك، وعرفت أنه على العقيدة السليمة والفطرة المستقيمة فبذلك تحبه وتحسن الظن به.
فإذا جاءك من ينقل لك عن أخيك فلان بأنه أخطأ في كذا، أو أنه قال كذا وكذا.
فماذا يكون موقفك؟
إن هذا الناقل قد يكون من الوشاة الذين يسعون بين الناس فسادا ،فعليك أن تقف من هذا الناقل موقف أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، فقد روي أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فقال: إن فلانا قال كذا وكذا، وشاية ونميمة (ينقلها عن عمد).
ماذا قال عمر -رضي الله عنه-؟
عرض عليه ثلاث خيارات، قال: إن كنت موشيا نحن نبحث، فإن كنت صادقا ، واعتذر عذرناه، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت عفونا عنك ، فقال: بل العفو أو كما قال .
والنمام قد ذمه الله بقوله تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [سورة القلم الآية:11]. والذي ينقل لك عن أخيك الصالح، أنه قال كذا وكذا، فالغالب أنه يكون نماما ، وقد ورد أن النمام معذب في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام وفي رواية : لا يدخل الجنة قتّات وهو النمام، وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم ما العضْهُ؟ -وهو نوع من السحر- هي النميمة ، القالة بين الناس! فجعل النميمة من السحر أو شبيها بالسحر! .
فإذا جاءك إنسان ونقل إليك عن أخ لك مسلم محب متثبّت، فعليك أن تسيء الظن به ، ثم إذا كان صحيحا فعليك أن تحسن الظن بذلك القائل، وتلتمس له عذرا أيا كانت تلك المقالة، فتقول: لعل له عذرا ، لعل عذره كذا وكذا ،  روى عن بعض السلف أنه قال: لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا ، وأنت تجد لها في الخير محملا ، فلو كان لها محمل واحد خير، وعشرة محامل شر، فاحملها على محمل الخير لأنك تحسن الظن بصاحبها، وتعرف أنه من أهل الخير والنصيحة والمودة، وأنه لا يتعمد أن يزلّ أو يطعن في مسلم، وأن يكفر مسلما ، أو يقترف ذنبا .
وإذا كانت هذه حالة المسلم فإن الواجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين ، وليس حسن الظن خاصا بالدنيا؛ بل يجب حسن الظن أيضا في أمور الآخرة، فمن عقيدة المسلم أن يكون حسن الظن بربه، فيظن بربه خيرا ، أنه يغفر له ويعفو عنه سيئاته، ويكفر عنه خطاياه، ويرفع درجاته ويجزل مثوبته، ونحو ذلك.
فعلى المسلم أن يحسن الظن بإخوته، فيظن بهم الظن الحسن الذي يؤدي بهم إلى الخير، ويدفعهم إليه ويدلهم على ما فيه خير لهم، وما فيه الصلاح لهم والاستقامة عليه ، هذا من الآداب الشرعية، فمتى كان المسلمون كذلك استقامت حالتهم، واجتمعت كلمتهم.
فإن الكثير من الوشاة إذا حسدوا إنسانا أخذوا يلتمسون في كلامه عثرة أو ذلة فربما قطعوا جزءا من كلامه وحملوه محملا بعيدا ليطعنوا بذلك في عقيدته أو في دينه ويتناسون إحسانه وفضله كما قيل :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
إن يسمعوا شيئا طاروا به فرحا وما سمعوا عني من صالح دفنوا
وقال آخر:
ينسى من المعروف طودا شامخا وليس ينسى ذرة ممن أسى